موضوع: ( ثمانون عاما بحثا عن مخرج ) الثلاثاء مارس 24, 2009 6:14 am
قال الأمين وكان صبياً متقد الذكاء لصاحبيه هشام وعامر: لقد حدثتني جدتي بالأمس حديثاً عجيباً: روت لي قصة عن غرائب هذه الجيب الذي يقع شرق قريتنا.. ذكرت لي أن بيتاً مهجوراً يقع على قمة ذلك الجبل، خرج منه ذات يوم رجل عجوز أبيض شعر رأسه، وطالت لحيته تصل إلى بطنه، وانحنى ظهره واستند إلى عكازه من الخيزران الغليظ.
وما إن وصل إلى مشارف القرية، حتى تجمع حوله الصبيان وهم يتصايحون ويتدافعون، حتى توسط هذا الجمع الصاخب القرية، بجوار الدار العتيق، دار الشيخ عبد الرحمن. وأخذ الرج العجوز يسأل عن بعض الأسماء والدور. فتبين لأهل القرية أنها لآباء أجدادنا، وألح الشيخ عبد الرحمن على العجوز أن ينزل عنده ضيفاً، فاستجاب له ومكث عنده أياماً لا يتحدث كثيراً، ولكنه يخلو لنفسه، ويقضي وقته بين الصلاة والذكر، ويتأمل وجوه الزائرين في صمت عجب له الناس.
وطلب منه الشيخ عبد الرحمن ذات يوم، وكان عنده بعض زائريه، أن يقص عليه قصته، وكان الرجل لين الجانب. فأخذ يروي قصته على الحاضرين، وسرعان ما انتشر خبر العجوز في القرية كلها. وتتلخص قصته في أنه خرج من هذه القرية وهو صبي، إلى ذلك الجبل، ودخل البيت الذي يقع على قمته.. وبعد وقت قصير ضل طريقه داخل هذا البيت، ولم يهتد إلى مخرج وظل يبحث عن طريق للخروج واستمر في بحثه طوال عمره، إلى أن صار عجوزاً، وأخيراً منًّ الله عليه بالخلاص. وخرج من ذلك البيت بعد قضى فيه ثمانين عاماً.
وظل حديث العجوز لأهل القرية مائة يوم، يجتمع الناس إليه عقب صلاة العصر ويستغرقون في الاستماع إلى عجائب ما يروي العجوز، وكانت جدني وهي صغيرة تستمع إلى حديث الرجل وتعجب به أيما إعجاب. أخذ الأمين يحدث صاحبيه عن عزمه للقيام برحلة إلى هذا الجبل ليرى ذلك البيت، فقد زادته قصص جددته شوقاً لرؤيته. وعرض على هشام وعامر أن يصحباه في هذه الرحلة، فأجابه هشام على الفور وتردد عامر.
والتقى الأمين وهشام عند بئر خارج القرية يقال لها النضاح. وعند وصولهما غمرهما سرور عظيم، إذ فوجئا بوجود عامر في انتظارهما وكان على علم بموعد اللقاء ومكانه. وبدأ الثلاثة رحلتهم... نحو الجبل وكان الجبل الذي يبدو بعيداً عن القرية على علم بما عزم عليه الثلاثة الأمين وهشام وعامر.
يقـــول الناشــر: حينما عرضت علي فكرة طباعة هذه الرواية فرأتها فإذا أنا أقف أمام رجل قد عركته الحياة فأكسبته تجربته الحكمة "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً".
فقد رأيت في قصته سهولة العبارة وعمق المعنى وطول التجربة والقدرة على تمثيل الواقع في خيال لا تحده الحدود. رأيته يمثل حال البشرية التي تاهت بها السبل وشردها تركها لمنهج ربها القومي وإتباعها أفكاراً لا تنبع من فطرة البشر. وها هي تنتظر أهل الإيمان السليم اللذين ملأ قلوبهم حب الخير للجميع ليعيدوها إلى الطريق القويم.